الثلاثاء، 5 أكتوبر 2010

يوم السلام العالمي: حاجز قلنديا العسكري يتفجر سلاما ليوم واحد فقط؟! / بقلم : ايمن ربايعة

قصة صحفية

أشعلت اللوحة السوداء التي كتب عليها عبارة ( مكوثا ممتعا ) باللغتين العربية والعبرية، في قاعة حاجز قلنديا العسكري، نار السخرية للمضطرين اجتياز حاجز الاحتلال الذي يغلق نقطة عبور بين القدس ورام الله.
تتربع الكتل الإسمنتية الرمادية اللون في محيط حاجز قلنديا، فهي مثل كابوس يحبس أنفاس المواطنين الذين يفكرون ألف مرة بمعاناة الحواجز كلما أرادوا التنقل بين مدن الضفة الغربية وقراها.
 بدت الأجواء حارة ظهيرة يوم الثلاثاء، الحادي والعشرين من أيلول، اليوم العالمي للسلام، تحول دون أن يكمل المرء مشواره في حاجز قلنديا متجاوزا استراحة في منشأة كبيرة من الحديد أشبه بالفرن.
 جلسنا نرقب الناس وهم يدخلون الى القدس عبر مسارب من الحديد صممت لامتهان كرامة البشر وأهانتهم، قاعة كبيرة بأعمدة حمراء بلون الدم، مقاعد معدنية طويلة مثبتة بالأرض، تلك القاعة مسقوفة بألواح الحديد البيضاء، جموع تنتظر حتى تعلن مجندة فتح "المعاطة"، ذلك المصطلح الذي يطلقه الفلسطينيون على تلك البوابات الحديدية الدوارة ذات الأذرع المعدنية.
تجلس المجندة خلف كرسيها، تغلق على نفسها غرفة محكمة، تنظر الى الجموع المنتظرة من خلف زجاج سميك، وقد صرخت بكلمات عبرية عبر مكبر الصوت دوت في المكان، فتهافت الجميع على تلك البوابات، خلف تلك القضبان المعدنية، على مقربة من المجندة ثمة محتل بزي الشرطة، أشقر الشعر والوجه، يلبس سترة واقية من الرصاص سوداء اللون، وقد تدلت على صدره بندقية (أوتوماتيكية)، مراقبا حركة مرور المواطنين، عندها أغلقت البوابة لحين مرور الدفعة التي دخلت الى الجانب الأخر من المعبر، ينتظر الباقون حتى تفتح من جديد.
يسود الصمت في المكان....قهوة شاي نسكافيه، كلمات كسرت ذلك الصمت، خرجت من بائع مشروبات ساخنة، ليجذب انتباه تلك الجموع، يتخذ من أحد أركان تلك القاعة مكانا لعربته التي يحمل عليها المشروبات، يبيعها لرواد ذلك المعبر، من يرغب في شرب الشاي الساخن في يوم ملتهب كهذا؟
عجوز طويل القامة وقد وضع ضمادة على عينه اليمنى، تمسك في إحدى يديه سيدة ممتلئة، وتمسك في اليد الأخرى فتاة في الثلاثينيات من عمرها، يجلس العجوز على احد المقاعد، فيما تغادر الفتاة الى إحدى البوابات، لكن سرعان ما تعود الى جوار العجوزين، السيدة ز.ي (65سنة) مدرسة متقاعدة من مدينة غزة، ملامح وجهها التي تنم عن الطيبة والحنان تجعله مألوفا لمن يراها، وكأنه يعرفها منذ مدة طويلة، جاءت مع أخيها العجوز (60 سنة) قبل أسبوع تقريبا، لإجراء عملية جراحية في عينه، وقد رافقتها ابنتها الشابة، الفتاة خريجة جامعة بيرزيت – قسم المحاسبة والعلوم المالية في أواخر تسعينيات القرن الماضي، فتقدمت باتجاه السيدة للسؤال: هل يسمح لأهالي القطاع بمغادرته للعلاج في الضفة؟ فقالت: "ذقت الأمرين حتى حصلت على تحويلة طبية لعلاج أخي في إحدى مستشفيات مدينة نابلس"، وقالت أن الاحتلال لا يسمح لأحد بالعبور حتى يشارف على الموت، تمتمت السيدة وقالت: "هذه التحويلة مجانية" وهي تنظر حولها وكأنها تبوح بسر خطير، حاولت أن افهم قصدها، لكنها لم تفصح عن أي معلومة تشير الى ذلك، أخذت تتحدث عن الوضع في غزة وقالت أن الأوضاع صعبة جدا هناك، بالرغم من أن بعض السلع أصبح متوفرا إلا أن المواطن لا يمتلك ثمنها، فأسعارها في ارتفاع مطرد نتيجة ارتفاع كلفة تهريبها عبر الأنفاق، يقاطعها العجوز قائلا: "لا حصار في غزة والأوضاع ممتازة وكل شيء متوفر بكثرة"، تلتفت إليه الفتاة: " هذا الكلام غير صحيح فالوضع صعب والجميع يعاني، وان وجدت السلع فإنها رديئة"، تضيف السيدة (ز.ي) أن أجواء الضفة جميلة ولكن ليست أجمل من غزة، وقد عبرت عن عدم ارتياحها من تعامل التجار معهم، تقول السيدة: "أنا متزوجة ولدي أربعة أولاد وثلاث بنات، اثنان منهم درسا في جامعة بير زيت، عندما كان يسمح لطلبة غزة بالدراسة في الضفة الغربية".
 بدأت أفكر في هؤلاء الطلبة الغزيين التي كانت تعج بهم جامعات الضفة في يوم من الأيام، أفزعنا دوي السماعات في المعبر معلنة فتح البوابات، لينطلق بعد ذلك العجوزين والفتاة الى تلك المسارب قبل أن تزدحم بالناس.
جلسنا على احد المقاعد الحمراء، يلفت انتباهنا عصفوران يلهوان في تلك المنطقة التي لا تمت  للهو بصلة، شاب ينام على احد المقاعد في ركن بعيد من القاعة، واضعا تحت رأسه زجاجة ماء كمخدة، يدخل احد السياح الأجانب، ويحمل بيده كاميرا، يقف في الطابور الطويل ويلتقط بعض الصور، وكأنه أعجب بذلك الطابور الأعوج.
بينما نحن كذلك، دخل رجل يحمل طفلة صغيرة، وأخذ مقعده بين جمع كبير من الجالسين، توجهنا نحوه وبادرناه التحية، فرد علينا التحية وقد بدت على وجهه الدهشة، تبادلنا معه أطراف الحديث، الرجل من مدينة بيت لحم يبلغ من العمر واحدا وثلاثين عاما، متزوج من مقدسية من بلدة العيسوية، ولديه طفل وابنتان، ينتظر على الحاجز ليستقبل زوجته التي كانت في زيارة أهلها في القدس، يقول: "أرغمت على السكن في بلدة كفر عقب شمال القدس، حفاظا على هوية زوجتي"، ويتكلف أعباء أجرة المنزل التي تزيد على ثلاثمئة دينار شهريا، مقابل الحصول على بعض الامتيازات من تامين صحي ومبالغ مقطوعة للأطفال، كما يدفع ضريبة (الارنونا)، تلك الضريبة التي تدفع لقاء السكن في بيت داخل حدود بلدية الاحتلال.
جموع تتدافع للدخول من تلك البوابات الى عالم لا يقل بؤسا ومعاناة عن عالمهم هذا، يقترب منا شاب يحمل في يده كيسا يحتوي على عبوات من العطر، يبيعها لتعود عليه بمبلغ من المال يعينه على حاجات يومه، شاب في العشرينيات من عمره، تراه عابسا، وحق له أن يعبس، لما يراه بأم عينه كل يوم من معاناة، اخذ يعرض علينا تلك العبوات، "هذه فرنسية ورائحتها جميلة، وتلك عطور كورية ثمنها رخيص في متناول الجميع"، لمس عدم رغبتنا في شراء تلك العطور، فقام من مكانه واخذ يبحث، عله يجد من يشتري منه بضاعته.
اجتياز حاجز قلنديا العسكري رحلة عذاب دائمة، رحلة قسرية وكأنها القدر اليومي للمواطنين الذين يأملون في يوم أن تزول تلك الحواجز والجدران لعلهم يعثرون على مرور آمن في يوم السلام العالمي في الحادي والعشرين من أيلول المقبل وان كان ليوم واحد فقط ؟!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق