
الدستور الحالي والذي وضعه العسكر عام ألف وتسعمائة واثنين وثمانين بقيادة الجنرال كنعان ايفرين، يعطي المجلس العسكري والقضاة العديد من الصلاحيات للتدخل في الحياة السياسية التركية وهذا ما لا يروق للاوروبين والغرب لان الجيش من وجهة نظرهم ويؤمر ولا يأمر، ويرى البعض أن نتائج الاستفتاء هي في الأساس تعبير عن نصر انتخابي لحزب العدالة والتنمية في الانتخابات التشريعية المقبلة المزمع إجرائها العام القادم ورجح العديد من المراقبين للشأن التركي أن يدعو رئيس الوزراء رجب طيب اردوغان الى انتخابات مبكرة للضمان الحصول على أصوات من أيدوا هذه التعديلات الدستورية.
الناظر الى الحالة التي تعيشها تركيا هذه الأيام يرى أن دور الجيش والقضاء في الحياة السياسية بدأ يتلاشى شيئا فشيئا، وهاتين المؤسستين من أهم المؤسسات المناصرة للعلمانية الكمالية والمدافعة عنها في وجه كل من يحاول تغيير معالمها، وأصبح الحديث عن مبادئ أتاتورك العلمانية ليس محرما ويمكن نقضها وحتى تغييرها وهذا ما أثبتته نتيجة الاستفتاء.
طرح هذه التعديلات الدستورية للاستفتاء العام في تركيا يعبر عن احترام الطبقة الحاكمة لرأي الشعب سواء أكان معارضا أو مؤيدا لها، لان الشعب هو القاعدة التي ينطلق منها كل حزب في طريقه للوصول الى السلطة، وهنا يبرز دور الإعلام في خلق رأي عام حول قضية معينة وإعطاء هذا الرأي الدور الايجابي في التغيير، ولو قمنا بعمل مقارنة بسيطة بين ما يستطيع الرأي العام التركي بالرغم من تحركه الخجول مقارنة بالرأي العام في أوروبا وأمريكا، وبين الرأي العام العربي والذي يعد من المصطلحات التي لا وجود لها على ارض الواقع، لوجدنا أن الرأي العام العربي إن لم يكن موجودا فإنه مخدر ومغيب وبعيد عن القضايا التي من المفترض أن يلعب دورا مهما وجوهريا فيها، وهذا يعود الى هروب الإعلام العربي بالرأي العام الى قضايا هامشية بل وتافهة، وفي بعض الأحيان قد يدفع الإعلام العربي بالرأي العام الى خلق أزمة بين الدول العربية الشقيقة وهذا ما حصل في أزمة الجزائر ومصر، والتي وظف فيها الإعلام بعناية للتسبب بهذا الخلاف غير المسبوق بين دولتين عربيتين، قد يتساءل احد ويقول : ماذا تسمي هذه الأعراس الديمقراطية التي تتمثل في الانتخابات الرئاسية والتشريعية التي تجرى في البلاد العربية بين الفينة والأخرى، والجواب هنا يتلخص في أن هذه الأعراس الديمقراطية ما هي إلا مسرحيات كوميدية نتيجتها محسومة سلفا، ولا يطال المواطن العربي منها سوا يوم العطلة الذي يتوجه فيه الناخبون لصناديق الاقتراع لوضع هذه الأوراق التي لا تعد ولا تفرز في الأساس، لان مغتصب السلطة لا يكترث بما يقوله الشعب، وفي اغلب الأحيان يختلق نتائج تليق بمقاسه.
متى يكون للرأي العام العربي كلمته في كل القضايا التي تهمه؟ ومتى سيؤخذ هذا الرأي من قبل من نصبوا أنفسهم أوصياء على آراء الناس في الاعتبار؟ الى متى سيبقى الرأي العام العربي منشغل في تأمين لقمة عيشه ومكان سكنه، ومتى سينهض في تفكيره للتغيير الواقع الذي يعيشه؟
أتمنى أن نجد أجوبة لكل هذه التساؤلات في القريب العاجل.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق